samedi 27 novembre 2010

الشر الذكي

حين يتجرد الانسان من هويته و ثقافته و انتمائه و خلفياته و ينظر بكل بساطة و موضوعية ألى آثار الانسان على ذاته و محيطه لن يفاجئه كثيرا مدى كارثية الوضع الانساني و همجية هذا الكائن العاقل و تفانيه في تدمير كوكب باكمله تدريجبا طوال عصور متتالية بنفس العزيمة و الاصرار مستغلا اكثر سلاح فتاك عرفه هذا الكوكب و هو الانسانية..

فقد تمكن الانسان بفضل ذكائه من تطويع كل قدراته و امكانياته منذ ميلاد الشر الذكي او ما يعرف بالوعي البشري من اجل خدمة انانيته حتى و ان كان اول ضحاياه الانسان نفسه..


و منذ تمكن الكروماغنون من القضاء على النيندرتال (و ان كانت نظرية الانصهار الاثني تقدم تفسيرا لاكتشاف طفل النيندرتال في البرتغال) الا ان نظرية الابادة الجماعية لهذا الكائن تقدم تفسيرات اكثر منطقية لسر اختفاء النيندرتال ليواصل الانسان الى يومنا هذا رحلة الشر المجيدة مرتكبا في حق بني جنسه جرائم و مجازر راح ضحيتهما ملايين و ملايين البشر مازلنا نشهدها الى يومنا هذا

رغم التطور الملحوظ للوعي الانساني مقارنة بالعصور الغابرة..

و اذا كان الضمير الانساني غافلا عن جرائم الانسان ضد بني جنسه فكيف يمكن لفت انتباهه لجرائمه ضد بقية الكائنات و كوكب الارض بما حمل؟


الا يبدو ذلك مثل محاولة اقناع ام اهملت ابناءها بتبني طفل يتيم؟

الغريب في الامر ان الانسان يعي كل هذا بل احيانا قد يذرف الدمع مدرارا اذا كان الانسان الضحية من بني عرقه او دينه او وطنه و قد يتحول نفس هذا الانسان الى الانسان الجلاد يستاصل شافة انسان ضحية اخر قد كان بالامس انسانا جلادا ..و هكذا دواليك ليتكفل الزمن و العلم مسؤولية تقسيم الادوار على خشبة المسرح الانساني التراجيدي


و لان الانسان هو الذي يضع القانون ليخرقه و يؤسس المنظمات الحقوقية ليخرسها و ينشئ اعلانا عالميا لحقوق الانسان لينتهكه و لان نزعة الشر اكثر نجاعة من نزعة الخير لديه و لان الشر الذكي دأب على استغلال سخاء الطبيعة عليه ليدمرها و لانه اعتاد ان يحمل في يده غصن سلام ليشهر بيده الاخرى البندقية و لان قانون الغاب يفرض تحالف الاقوياء على الاقل قوة ثم على الاضعف و لان الذاكرة الانسانية تحفر بامتياز حماقات اجدادها في دفتر حاضر الانسان و ثقافته... لكل هذه الاسباب و اكثر يلوح المستقبل الانساني اكثر فظاعة و اكثر ارهابا خاصة و ان الشر الذكي في منافسة محتدمة مع ذاته من اجل التقدم على الخير البسيط المنعزل عن ذاته..


و لان التفاصيل و الفواصل و التحليل و التعمق تصبح احيانا منافذا للتملص من الفكرة الاساسية و تشتيتها و تناسيها كما يحترف البعض ذلك.. اثرت ان اتطرق الى الموضوع ببساطة و اكتفي بوصف بسيط لوضع الانسان..

فهل تعلم ايها الكائن العاقل ان مليارا و نصف المليار من سكان العالم يسكنون مساكن بدائية لا تختلف كثيرا عن المساكن التي كان يقطنها الانسان منذ حوالي ستة الاف سنة؟

و هل تعلم ايها الكائن الحكيم ان محاصيل الزراعة الامريكية التي يذهب جزء كبير منها لعلف الماشية و الوقود الحيوي كفيلة باطعام مليارين من سكان العالم؟

و هل تعلم عزيزي الانسان ان 70 بالمائة من سكان نيجيريا اكبر مصدر للنفط في افريقيا يعيشون تحت خط الفقر؟

و هل تعلم ايها الكائن الذكي ان نصف فقراء العالم يعيشون في بلدان غنية بالموارد؟

و هل تعلم ايضا ان الاغنياء الذين يحتكرون نصف ثروة العالم لا يتجاوز عددهم 2 بالمائة فقط من مجموع عدد سكان العالم؟

و هل تعلم ايها الكائن المسيطر على ثروات الطبيعة ان سدس البشر يعيشون في بيئة غير صحية و يعانون من الاكتظاظ السكاني و محرومون من الضرورات اليومية؟

و هل تعلم ايضا ان الاحصائيات و النسب ليست ضرورية لنعرف فداحة الوضع الانساني اليوم؟

هل يخفى على احد ان افريقيا مهد الانسانية تحولت اليوم الى منبع للفقر و الجهل و التخلف و الاوبئة؟

هل كان داروين محقا في رؤيته الاجتماعية للانسان؟ هل نختلف كثيرا عن الكائنات الاقل ذكاء منا ام نخضع معها لقانون البقاء للاصلح و الاقوى؟

لماذا مايزال الانسان اليوم يدين هتلر و يعتبره من الارهابيين في حين ان ما داب عليه الانسان منذ قرون طويلة هو الارهاب المنظم تجاه بني جنسه تحت مسميات و اسباب و دوافع عديدة لا تختلف كثيرا عن دوافع هتلر...

هل الانسان هتلر ام غاندي؟

قد نختلف جميعا حول هذا السؤال و لكن لا اعتقد اننا سنختلف كثيرا اذا كان السؤال هل الحضارات الانسانية حضارات هتلر ام غاندي؟

لماذا كثيرا ما يرتبط ميلاد حضارة بمصرع حضارة اخرى؟

لماذا تولد حضارة الانسان قيصريا من حضارة اخرى؟

الم تساهم الانسانية قاطبة في تقدم العلوم و المعارف من جيل لاخر و من حضارة لاخرى لالاف السنين؟

باي حق يمنح الانسان نفسه في زمن و مكان معين حصاد ثمرة داب على غرسها و الاعتناء بها الانسان في ازمنة و امكنة مختلفة؟

لماذا يقسمون هذا العالم و يقيمون الحدود بين الانسان و الانسان؟

لماذا يعزل الانسان في محيطه و يسمح لانسان اخر بالتجول بحرية في كافة ارجاء المعمورة؟

ماهي المعايير الانسانية المتبعة في ذلك؟

لماذا نحن و هم و اولئك و الحال اننا جميعا ننتمي إلى نفس الجنس؟

لماذا نتغذى في اولى لبنات نشاتنا على كره الاخر دون ان نعلم او نعي الاسباب حتى؟

لماذا نبرمج على انتماءات ضيقة و ننسى الانتماء الاشمل ليصبح ذلك مع مرور الزمن من المسلمات و البديهيات؟

من هو الافريقي؟

ومن هو الاروبي؟

و من هو الاسيوي؟

و من هو المسلم؟

و من هو اليهودي؟

و من هو الفليبيني؟

من هو الكيني؟

قد ترتبط صورة ما في ذهنك مع كل اجابة.. و لكن ماذا لو سالتك من هو الانسان؟

ماهي الصورة التي ستلجأ الى ذهنك بداهة؟

سيستحق الامر عناء التفكير و لو لحظات..

اليس كذلك؟

ايها الانسان